الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
الْكَفَالَةُ هِيَ الضَّمَانُ، وَهِيَ الزَّعَامَةُ، وَهِيَ الْقَبَالَةُ، وَهِيَ الْحَمَالَةُ. فَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى آخَرَ حَقُّ مَالٍ مِنْ بَيْعٍ، أَوْ مِنْ غَيْرِ بَيْعٍ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ كَانَ حَالًّا أَوْ إلَى أَجَلٍ سَوَاءٌ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا فَضَمِنَ لَهُ ذَلِكَ الْحَقَّ إنْسَانٌ لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْمَضْمُونِ عَنْهُ بِطِيبِ نَفْسِهِ وَطِيبِ نَفْسِ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ: فَقَدْ سَقَطَ ذَلِكَ الْحَقُّ عَنْ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ وَانْتَقَلَ إلَى الضَّامِنِ وَلَزِمَهُ بِكُلِّ حَالٍ، وَلاَ يَجُوزُ لِلْمَضْمُونِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ، وَلاَ عَلَى وَرَثَتِهِ أَبَدًا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْحَقِّ انْتَصَفَ أَوْ لَمْ يَنْتَصِفْ، وَلاَ بِحَالٍ مِنْ الأَحْوَالِ، وَلاَ يَرْجِعُ الضَّامِنُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ، وَلاَ عَلَى وَرَثَتِهِ أَبَدًا بِشَيْءٍ مِمَّا ضَمِنَ عَنْهُ أَصْلاً سَوَاءٌ رَغِبَ إلَيْهِ فِي أَنْ يَضْمَنَهُ عَنْهُ أَوْ لَمْ يَرْغَبْ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ إِلاَّ فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ: أَنْ يَقُولَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ: اضْمَنْ عَنِّي مَا لِهَذَا عَلَيَّ فَإِذَا أَدَّيْت عَنِّي فَهُوَ دَيْنٌ لَك عَلَيَّ: فَهَاهُنَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّى عَنْهُ لأََنَّهُ اسْتَقْرَضَهُ مَا أَدَّى عَنْهُ: فَهُوَ قَرْضٌ صَحِيحٌ. أَمَّا قَوْلُنَا: إنَّ الْكَفَالَةَ هِيَ الضَّمَانُ، وَالْحَمَالَةُ، وَالزَّعَامَةُ، وَالْقِبَالَةُ وَالضَّامِنُ: هُوَ الْقَبِيلُ، وَالْكَفِيلُ، وَالزَّعِيمُ، وَالْحَمِيلُ، فَاللُّغَةُ، وَالدِّيَانَةُ لاَ خِلاَفَ فِيهِمَا فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا عُمُومُ جَوَازِ الضَّمَانِ فِي كُلِّ حَقٍّ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَلأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ بَيْعٌ أَصْلاً، وَإِنَّمَا هُوَ نَقْلُ حَقٍّ فَقَطْ. وَأَمَّا جَوَازُ الضَّمَانِ بِغَيْرِ رَغْبَةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، فَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مَسَرَّةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ قَالَ: سَمِعْت أَبَا شُرَيْحٍ الْكَعْبِيَّ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّكُمْ يَا مَعْشَرَ خُزَاعَةَ قَتَلْتُمْ هَذَا الْقَتِيلَ مِنْ هُذَيْلٍ وَإِنِّي عَاقِلُهُ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرَ، فَضَمِنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمْ الدِّيَةَ بِغَيْرِ رَغْبَتِهِمْ فِي ذَلِكَ. وقال أبو حنيفة: لاَ يَجُوزُ الضَّمَانُ إِلاَّ بِمَحْضَرِ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ، إِلاَّ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْمَرِيضُ يَقُولُ لِوَرَثَتِهِ: أَيُّكُمْ يَضْمَنُ عَنِّي دَيْنَ فُلاَنٍ عَلَيَّ فَيَضْمَنُهُ أَحَدُهُمْ فَيَجُوزُ بِغَيْرِ مَحْضَرِ الطَّالِبِ. وَهَذَا كَلاَمٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، لأََنَّهُ دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ أَصْلاً. وَاحْتَجَّ لَهُ بَعْضُ الْمُبْتَلَيْنَ بِتَقْلِيدِهِ أَنَّهُ عَقْدٌ كَالنِّكَاحِ وَالْبَيْعِ، فَلاَ يَصِحُّ إِلاَّ بِمَحْضَرِهِمَا جَمِيعًا. قال أبو محمد: وَهَذَا قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ فَاسِدٌ ثُمَّ إنَّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْفَسَادِ. أَوَّلُ ذَلِكَ: أَنَّهُمْ يَنْتَقِضُونَ مِنْ قُرْبٍ فَيُجِيزُونَ نِكَاحَ الصَّغِيرَةِ بِغَيْرِ مَحْضَرِهَا، وَيُجِيزُونَ الضَّمَانَ لِدَيْنِ الْمَرِيضِ بِغَيْرِ مَحْضَرِ صَاحِبِ الْحَقِّ. ثُمَّ إنَّ الضَّمَانَ لَيْسَ عَقْدًا عَلَى الْمَضْمُونِ لَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الضَّامِنِ وَحْدَهُ وَإِنَّمَا لِلْمَضْمُونِ لَهُ إنْصَافُهُ مِنْ حَقِّهِ فَقَطْ، فَإِنْ أُنْصِفَ فِي مِثْلِ هَذَا، وَإِلَّا فَلاَ يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يَرْضَ بِهِ، وَهُوَ بَاقٍ عَلَى حَقِّهِ كَمَا كَانَ وَرَامُوا الْفَرْقَ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْمَرِيضِ وَغَيْرِهَا بِأَنْ قَالُوا: إنَّ الدَّيْنَ قَدْ تَعَيَّنَ فِي مَالِ الْمَرِيضِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ كَذَبُوا مَا تَعَيَّنَ قَطُّ فِي مَالِهِ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ لاَ يُجِيزُ ضَمَانَ دَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ إِلاَّ بِأَنْ يَتْرُكَ وَفَاءً فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ جُمْلَةً. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الدَّيْنَ قَدْ هَلَكَ وَأَجَازُوا الضَّمَانَ عَلَى الْحَقِّ الْمُفْلِسِ وَالدَّيْنُ قَدْ هَلَكَ وَهَذَا تَنَاقُضٌ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ يَكْسِبُ الْمُفْلِسُ مَالاً. قلنا: وَقَدْ يَطْرَأُ لِلْمَيِّتِ مَالٌ لَمْ يَكُنْ عُرِفَ حِينَ مَوْتِهِ وَهَذَا مِنْهُمْ خِلاَفٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُجَرَّدٌ. وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِنَا فِي الضَّمَانِ عَنْ الْمَيِّتِ الَّذِي لاَ يَتْرُكُ وَفَاءً: مَالِكٌ، وَأَبُو يُوسُفَ،، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ أُتِيَ بِجِنَازَةٍ، فَقَالُوا: صَلِّ عَلَيْهَا فَقَالَ: هَلْ تَرَكَ شَيْئًا قَالُوا: لاَ، قَالَ: فَهَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ قَالُوا: نَعَمْ، ثَلاَثَةٌ دَنَانِيرَ، قَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ، فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: صَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَيَّ دَيْنُهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ. فَفِي هَذَا الْخَبَرِ جَوَازُ ضَمَانِ دَيْنِ الْمَيِّتِ الَّذِي لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً بِدَيْنِهِ، بِخِلاَفِ رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِيهِ: أَنَّ الدَّيْنَ يَسْقُطُ بِالضَّمَانِ جُمْلَةً، لأََنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْقُطْ عَنْ الْمَيِّتِ وَيَنْتَقِلْ إلَى ذِمَّةِ أَبِي قَتَادَةَ لَمَا كَانَتْ الْحَالُ إِلاَّ وَاحِدَةً، وَامْتِنَاعُهُ عليه السلام مِنْ الصَّلاَةِ عَلَيْهِ قَبْلَ ضَمَانِ أَبِي قَتَادَةَ لِدَيْنِهِ، ثُمَّ صَلاَتُهُ عليه السلام عَلَيْهِ بَعْدَ ضَمَانِ أَبِي قَتَادَةَ: بُرْهَانٌ صَحِيحٌ عَلَى أَنَّ الْحَالَ الثَّانِيَةَ غَيْرُ الْأُولَى، وَأَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي لاَ يُتْرَكُ بِهِ وَفَاءٌ قَدْ بَطَلَ وَسَقَطَ بِضَمَانِ الضَّامِنِ، وَلَزِمَ ذِمَّةَ الضَّامِنِ بِقَوْلِ أَبِي قَتَادَةَ الَّذِي أَقَرَّهُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى دَيْنِهِ. فَصَحَّ أَنَّ الدَّيْنَ عَلَى الضَّامِنِ بَعْدُ لاَ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ. وَفِيهِ أَيْضًا: جَوَازُ الضَّمَانِ بِغَيْرِ مَحْضَرِ الطَّالِبِ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ، وَإِذْ قَدْ سَقَطَ الدَّيْنُ بِالضَّمَانِ كَمَا ذَكَرْنَا فَلاَ يَجُوزُ رُجُوعُهُ بَعْدَ سُقُوطِهِ بِالدَّعْوَى الْكَاذِبَةِ بِغَيْرِ نَصٍّ، وَلاَ إجْمَاعٍ. وَأَيْضًا: الْخَبَرُ الَّذِي رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَا حَمَّادُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ هَارُونَ بْنِ رِئَابٍ حَدَّثَنِي كِنَانَةُ بْنُ نُعَيْمٍ الْعَدَوِيُّ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ الْهِلاَلِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: يَا قَبِيصَةُ إنَّ الْمَسْأَلَةَ لاَ تَحِلُّ إِلاَّ لأََحَدِ ثَلاَثَةٍ رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ وَذَكَرَ بَاقِي الْخَبَرِ فَعَمَّ عليه السلام إبَاحَةَ تَحَمُّلِ الْحَمَالَةِ عُمُومًا بِكُلِّ حَالٍ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّهُ إنْ لَمْ يَرْضَ الْمَضْمُونُ لَهُ بِالضَّمَانِ لَمْ يَلْزَمْهُ إِلاَّ بِأَنْ يُوَفِّيَهُ أَيْضًا مِنْ حَقِّهِ فَلَيْسَ لَهُ حِينَئِذٍ إِلاَّ أَخْذُهُ مِنْهُ أَوْ تَرْكُهُ جُمْلَةً، وَلاَ طَلَبَ لَهُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ بَعْدَهَا، فَلأََنَّهُ صَاحِبُ الْحَقِّ، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِلُزُومِ تَرْكِ طَلَبِ غَرِيمِهِ، بَلْ الضَّمَانُ حِينَئِذٍ مَطْلٌ لَهُ، وَقَدْ قَالَ عليه السلام: مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ وَأَمَرَ عليه السلام أَنْ يُعْطَى كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَإِنْ أُنْصِفَ فَقَدْ أُعْطِيَ حَقُّهُ، وَمَنْ أُعْطِيَ حَقَّهُ فَلاَ حَقَّ لَهُ سِوَاهُ. فإن قيل: فَأَنْتُمْ أَصْحَابُ اتِّبَاعٍ لِلآثَارِ فَمِنْ أَيْنَ أَجَزْتُمْ الصَّلاَةَ عَلَى مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لاَ وَفَاءَ لَهُ بِهِ قلنا: سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ لَيْسَ فِي قَوْلِهِ عليه السلام لَهُمْ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ بَيَانٌ فِي أَنَّهُ عليه السلام الْمَخْصُوصُ بِهَذَا الْحُكْمُ وَحْدَهُ، لاَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سِوَاهُ، لاَ الْإِمَامُ، وَلاَ غَيْرُهُ فَكَيْف وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يُصَلِّي عَلَى رَجُلٍ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَأُتِيَ بِمَيِّتِ، فَقَالَ: عَلَيْهِ دَيْنٌ قَالُوا: نَعَمْ، دِينَارَانِ، فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ الأَنْصَارِيُّ: هُمَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ قَالَ: أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ، فَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ وَذَكَرَ الْخَبَرَ. وَمِمَّنْ أَجَازَ الضَّمَانُ عَنْ الْمَيِّتِ الَّذِي لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً: ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَمَالِكٌ ; وَأَبُو يُوسُفَ،، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو سُلَيْمَانَ وَمَا نَعْلَمُ لأََبِي حَنِيفَةَ سَلَفًا فِي قَوْلِهِ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَإِسْحَاقُ ; وَأَحْمَدُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَمَالِكٌ فِي أَوَّلِ قَوْلَيْهِ: إنَّ لِلْمَضْمُونِ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ بِحَقِّهِ إنْ شَاءَ الضَّامِنُ، وَإِنْ شَاءَ الْمَضْمُونُ. وقال مالك فِي آخِرِ قَوْلَيْهِ: إذَا كَانَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ مَلِيًّا بِالْحَقِّ فَلَيْسَ لِطَالِبِ الْحَقِّ أَنْ يَطْلُبَ الضَّامِنَ، وَإِنَّمَا لَهُ طَلَبُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ فَقَطْ، إِلاَّ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ حَقِّهِ شَيْءٌ فَيُؤْخَذُ مِنْ الضَّامِنِ حِينَئِذٍ، وَإِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ غَائِبًا، أَوْ يَكُونَ عَلَيْهِ دُيُونٌ لِلنَّاسِ فَيَخَافُ الْمَضْمُونُ لَهُ مُحَاصَّةَ الْغُرَمَاءِ فَلَهُ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَنْ يَطْلُبَ الضَّامِنَ أَيْضًا حِينَئِذٍ. قال أبو محمد: أَمَّا هَذَا الْقَوْلُ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ فَظَاهِرُ الْعَوَارِ، لأََنَّهُ دَعَاوَى كُلُّهُ بِلاَ بُرْهَانٍ، وَتَقْسِيمٌ بِلاَ دَلِيلٍ، لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ، وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلاَ قَوْلِ أَحَدٍ نَعْلَمُهُ مِنْ صَاحِبٍ أَوْ تَابِعٍ، وَلاَ قِيَاسٍ، وَلاَ رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا، كَمَا قلنا مِنْ أَنَّ الْحَقَّ قَدْ سَقَطَ جُمْلَةً عَنْ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، وَلاَ سَبِيلَ لِلْمَضْمُونِ لَهُ إلَيْهِ أَبَدًا، وَإِنَّمَا حَقُّهُ عِنْدَ الضَّامِنِ أَنْصَفَهُ أَوْ لَمْ يُنْصِفْهُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ أَشْعَثَ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحُمْرَانِيِّ، عَنْ الْحَسَنِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالاَ جَمِيعًا: الْكَفَالَةُ، وَالْحَوَالَةُ سَوَاءٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا بُرْهَانَ ذَلِكَ مِنْ السُّنَّةِ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ مِنْ الْمُحَالِ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَكُونَ مَالُ وَاحِدٍ مَعْدُودٍ مَحْدُودٍ هُوَ كُلَّهُ عَلَى زَيْدٍ، وَهُوَ كُلُّهُ عَلَى عَمْرٍو، وَلَوْ كَانَ هَذَا لَكَانَ لِلَّذِي هُوَ لَهُ عَلَيْهِمَا أَنْ يَأْخُذَهُمَا جَمِيعًا بِجَمِيعِهِ فَيَحْصُلُ لَهُ الْعَدَدُ مُضَاعَفًا، وَلَمَا سَقَطَ عَنْ أَحَدِهِمَا حَقٌّ قَدْ لَزِمَهُ بِأَدَاءِ آخَرَ عَنْ نَفْسِهِ مَا لَزِمَهُ أَيْضًا وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا. فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ وَاخْتِلاَطُ قَوْلِهِمْ وَأَنَّهُ لاَ يُعْقَلُ، وَلاَ يَسْتَقِرُّ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا هُوَ لَهُ عَلَى أَيِّهِمَا طَلَبَهُ مِنْهُ. قلنا: فَهَذَا أَدْخَلَ فِي الْمُحَالِ، لأََنَّهُ عَلَى هَذَا لَمْ يَسْتَقِرَّ حَقُّهُ عَلَى وَاحِدٍ. مِنْهُمَا بَعْدُ لاَ عَلَى الضَّامِنِ، وَلاَ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ فَإِذَا هُوَ كَذَلِكَ فَلاَ حَقَّ لَهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْدُ. فَإِنْ قَالُوا: فَإِنَّكُمْ تَقُولُونَ فِي وَارِثَيْنِ تَرَكَ مُوَرِّثُهُمَا أَلْفَيْ دِرْهَمٍ، فَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ ظَهَرَ غَرِيمٌ لَهُ عَلَى الْمَيِّتِ أَلْفُ دِرْهَمٍ: أَنَّهُ يَأْخُذُهَا مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ وَتَقُولُونَ فِيمَنْ بَاعَ شِقْصًا مُشَاعًا، ثُمَّ بَاعَهُ الْمُبْتَاعُ مِنْ آخَرَ، وَالثَّالِثُ مِنْ رَابِعٍ: أَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهُ بِالشُّفْعَةِ مِنْ أَيِّهِمْ شَاءَ وَتَقُولُونَ فِيمَنْ غَصَبَ مَالاً ثُمَّ وَهَبَهُ لأَخَرَ: فَإِنَّ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ يَأْخُذُ بِمَالِهِ أَيَّهمَا شَاءَ قلنا: نَعَمْ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا مِمَّا أَنْكَرْنَاهُ مِنْ كَوْنِ مَالٍ وَاحِدٍ عَلَى اثْنَيْنِ هُوَ كُلُّهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَمَّا الْوَارِثَانِ فَإِنَّهُمَا اقْتَسَمَا مَا لاَ يَحِلُّ لَهُمَا اقْتِسَامَهُ، وَحَقُّ الْغَرِيمِ فِي ذَلِكَ الْمَالِ بِعَيْنِهِ، لاَ عِنْدَ الْوَارِثَيْنِ أَصْلاً، فَإِنَّمَا يَأْخُذُ حَقَّهُ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ حَيْثُ وَجَدَهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ عَلَى صَاحِبِهِ فَيَقْتَسِمَانِ مَا بَقِيَ لِلْغَرِيمِ حِينَئِذٍ، وَالْقِسْمَةُ الْأُولَى فَاسِدَةٌ، لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ لِلْوَرَثَةِ إِلاَّ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ، وَالدَّيْنِ. وَأَمَّا الْغَاصِبُ يَهَبُ مَا غَصَبَ فَحَقُّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ عِنْدَ الْغَاصِبِ، وَحَقُّ الْغَاصِبِ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا يُؤَدِّي عَلَى الَّذِي وَهَبَهُ إيَّاهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ إنْ طَلَبَ الْغَاصِبَ طَلَبَهُ بِحَقِّهِ عِنْدَهُ، وَإِنْ طَلَبَ الْمَوْهُوبَ لَهُ طَلَبَهُ بِحَقِّ الْغَاصِبِ عِنْدَهُ مِنْ رَدِّ مَا وَهَبَهُ بِالْبَاطِلِ، فَإِذَا فَعَلَ اسْتَحَقَّ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِحَقِّهِ عِنْدَ الْغَاصِبِ، وَهَكَذَا كُلُّ مَا انْتَقَلَ ذَلِكَ الْمَالُ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَأَمَّا الشَّفِيعُ فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ إمْضَاءَ الْبَيْعِ أَوْ رَدِّهِ، فَهُوَ يُمْضِي بَيْعَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ وَيَرُدُّ بَيْعَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ بِحَقِّ الشُّفْعَةِ فَظَهَرَ فَسَادُ تَنْظِيرِهِمْ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. وَاحْتَجُّوا عَلَى خَبَرِ أَبِي قَتَادَةَ الَّذِي ذَكَرْنَا بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: مَاتَ رَجُلٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعَلَيْهِ دَيْنٌ قلنا: نَعَمْ، دِينَارَانِ، فَقَالَ عليه السلام: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ، فَتَحَمَّلَهُمَا أَبُو قَتَادَةَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقُّ الْغَرِيمِ عَلَيْكَ، وَبَرِيءَ مِنْهُمَا الْمَيِّتُ قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَصَلَّى عَلَيْهِ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ قَالَ عليه السلام لأََبِي قَتَادَةَ: مَا فَعَلَ الدِّينَارَانِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا دَفَنَّاهُ أَمْسِ، ثُمَّ أَتَاهُ بَعْدُ فَقَالَ لَهُ: مَا فَعَلَ الدِّينَارَانِ قَالَ: قَضَيْتُهُمَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الآنَ بَرَّدْتَ عَلَيْهِ جِلْدَهُ. وَبِخَبَرَيْنِ آخَرَيْنِ لاَ يَصِحَّانِ: أَحَدُهُمَا: نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ. وَالآخَرُ، فِيهِ: أَنَّهُ عليه السلام قَالَ لِعَلِيٍّ إذْ ضَمِنَ دَيْنَ الْمَيِّتِ: فَكَّ اللَّهُ رِهَانَكَ كَمَا فَكَكْتَ رِهَانَ أَخِيكَ. قال أبو محمد: وَهَذَا مِنْ الْعَجَبِ احْتِجَاجُهُمْ بِأَخْبَارٍ هِيَ أَعْظَمُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ. أَمَّا: فَكَّ اللَّهُ رِهَانَكَ كَمَا فَكَكْتَ رِهَانَ أَخِيكَ فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ، وَلاَ نَصٌّ عَلَى مَا يَدَّعُونَهُ مِنْ بَقَاءِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ. وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّهُ قَدْ فَكَّ رِهَانَهُ بِضَمَانِهِ دَيْنَهُ فَقَطْ، فَإِنَّهُ حَوَّلَ دَيْنَهُ عَلَى نَفْسِهِ حَيًّا كَانَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ أَوْ مَيِّتًا. وَأَمَّا نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ حُكْمُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، وَلاَ أَنَّهُ حُكْمُ مَنْ لَمْ يَمْطُلْ بِدَيْنِهِ بَعْدَ طَلَبِ صَاحِبِهِ إيَّاهُ مِنْهُ. وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ الْمُطَالَبَ بِدَيْنِهِ فِي الآخِرَةِ إنَّمَا هُوَ مِنْ مَطْلٍ بِهِ وَهُوَ غَنِيٌّ، فَصَارَ ظَالِمًا، فَعَلَيْهِ إثْمُ الْمَطْلِ أَعْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُعْسِرْ وَإِنْ كَانَ حَقُّ الْغَرِيمِ فِيمَا يَتَخَلَّفُ مِنْ مَالٍ أَوْ فِي سَهْمِ الْغَارِمِينَ مِنْ زَكَوَاتِ الْمُسْلِمِينَ إنْ لَمْ يَخْلُفْ مَالاً. وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ذَنْبَ الْمَطْلِ إذَا قُضِيَ عَنْهُ مِمَّا يَخْلُفُ أَوْ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ أَوْ قَضَاهُ عَنْهُ الضَّامِنُ فَفِي هَذَا جَاءَتْ الأَحَادِيثُ فِي تَشْدِيدِ أَمْرِ الدَّيْنِ. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَمْطُلْ قَطُّ بِهِ، فَلَمْ يَظْلِمْ، وَإِذَا لَمْ يَظْلِمْ فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ، وَلاَ تَبِعَةَ، وَحَقُّ الْغَرِيمِ إنْ مَاتَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ فِيمَا يَتَخَلَّفُ، أَوْ فِي سَهْمِ الْغَارِمِينَ، وَالظَّالِمُ حِينَئِذٍ مَنْ مَطَلَهُ بَعْدَ مَوْتِ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ مِنْ وَرَثَةٍ أَوْ سُلْطَانٍ، وَلاَ إثْمَ عَلَى الْمَيِّتِ أَصْلاً، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ فَأَعْظَمُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ لَوْ كَانَ لَهُمْ مَسْكَةُ إنْصَافٍ لأََنَّ فِيهِ نَصًّا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلضَّامِنِ عَنْ الْمَيِّتِ: حَقُّ الْغَرِيمِ عَلَيْكَ وَبَرِيءَ مِنْهُمَا الْمَيِّتُ، قَالَ الضَّامِنُ: نَعَمْ أَلَيْسَ فِي هَذَا كِفَايَةٌ لِمَنْ لَهُ مَسْكَةُ دِينٍ أَوْ أَقَلَّ تَمْيِيزٍ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ مَفْتُونُونَ. فإن قيل: فَمَا مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ قَضَاهُمَا: الآنَ بَرَّدْتَ عَلَيْهِ جِلْدَهُ. قلنا: هَذَا لاَ مُتَعَلِّقَ فِيهِ فِي بَقَاءِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ، وَلاَ فِي رُجُوعِهِ عَلَيْهِ لأََنَّ نَصَّ الْخَبَرِ قَدْ وَرَدَ فِيهِ بِعَيْنِهِ: أَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ بَرِيءَ مِنْ الدَّيْنِ، وَأَنَّ حَقَّ الْغَرِيمِ عَلَى الزَّعِيمِ فَلاَ مَعْنَى لِلزِّيَادَةِ فِي هَذَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ عليه السلام: الآنَ بَرَّدْتَ عَلَيْهِ جِلْدَهُ فَقَدْ أَصَابَ عليه السلام مَا أَرَادَ، وَقَوْلُهُ الْحَقُّ لاَ نَشُكُّ فِيهِ، لَكِنْ نَقُولُ: إنَّهُ قَدْ يَكُونُ تَبْرِيدٌ زَائِدٌ دَخَلَ عَلَيْهِ حِينَ الْقَضَاءِ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ فِي حَرٍّ كَمَا تَقُولُ: لَقَدْ سَرَّنِي فِعْلُك، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ فِي هَمٍّ، وَلاَ حُزْنٍ. وَكَمَا لَوْ تَصَدَّقَ عَنْ الْمَيِّتِ بِصَدَقَةٍ لَكَانَ قَدْ دَخَلَ عَلَيْهِ بِهَا رَوْحٌ زَائِدٌ، وَلاَ بُدَّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ فِي كَرْبٍ، وَلاَ غَمٍّ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَدْ كَانَ مَطَلَ وَهُوَ غَنِيٌّ فَحَصَلَ لَهُ الظُّلْمُ ثُمَّ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ ذَلِكَ الظُّلْمَ بِالْقَضَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِهَذَا أَصْلاً، وَإِنَّمَا هُوَ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الآخِرَةِ، وَنَحْنُ نَجِدُ مَنْ سَنَّ سُنَّةَ سُوءٍ فِي الإِسْلاَمِ كَانَ لَهُ إثْمُ ذَلِكَ وَإِثْمُ مَنْ عَمِلَ بِهَا أَبَدًا. وَنَجِدُ مَنْ سَنَّ سُنَّةَ خَيْرٍ فِي الإِسْلاَمِ كَانَ لَهُ أَجْرُ ذَلِكَ وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا أَبَدًا، فَقَدْ يُؤْجَرُ الْإِنْسَانُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ، وَيُعَاقَبُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ إذَا كَانَ لَهُ فِيهِمَا سَبَبٌ. وَقَدْ يَدْخُلُ الرَّوْحُ عَلَى مَنْ تَرَكَ وَلَدًا صَالِحًا يَدْعُو لَهُ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ، لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: لاَ يَرْجِعُ الضَّامِنُ بِمَا أَدَّى سَوَاءً بِأَمْرِهِ ضَمِنَ عَنْهُ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ اسْتَقْرَضَهُ، فَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ سُقُوطِ الْحَقِّ عَنْ الْمَضْمُونِ عَنْهُ وَبَرَاءَتِهِ مِنْهُ وَاسْتِقْرَارِهِ عَلَى الضَّامِنِ. فَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ وَالظُّلْمِ الْوَاضِحِ أَنْ يُطَالِبَ الضَّامِنُ مِنْ أَجْلِ أَدَائِهِ حَقًّا لَزِمَهُ وَصَارَ عَلَيْهِ وَاسْتَقَرَّ فِي ذِمَّتِهِ مَنْ لاَ حَقَّ قِبَلَهُ لَهُ، وَلاَ لِلَّذِي أَدَّاهُ عَنْهُ، وَهَذَا لاَ خَفَاءَ بِهِ وَمَا نَدْرِي لِمَنْ قَالَ: إنَّهُ يَرْجِعُ الضَّامِنُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ بِمَا أَدَّى حُجَّةً أَصْلاً. وقال مالك: يَرْجِعُ الضَّامِنُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ بِمَا أَدَّى عَنْهُ سَوَاءٌ بِأَمْرِهِ ضَمِنَ عَنْهُ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ. وقال أبو حنيفة، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَالشَّافِعِيُّ: إنْ ضَمِنَ عَنْهُ بِأَمْرِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ، وَإِنْ ضَمِنَ عَنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ وَكِلاَ الْقَوْلَيْنِ فَاسِدٌ لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ أَصْلاً، وَتَقْسِيمٌ فَاسِدٌ بِلاَ بُرْهَانٍ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ بِمِثْلِ قَوْلِنَا. قال أبو محمد: وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِخَبَرٍ وَاهٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد عَنْ الْقَعْنَبِيُّ عَنْ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلاً لَزِمَ غَرِيمًا لَهُ بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ فَقَالَ: وَاَللَّهِ لاَ أُفَارِقُكَ حَتَّى تَقْضِيَنِي أَوْ تَأْتِيَنِي بِحَمِيلٍ فَتَحَمَّلَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُ بِقَدْرِ مَا وَعَدَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْنَ أَصَبْتَ هَذَا الذَّهَبَ قَالَ: مِنْ مَعْدِنٍ، قَالَ: لاَ حَاجَةَ لَنَا فِيهَا لَيْسَ فِيهَا خَيْرٌ فَقَضَاهَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ عَلِيٌّ: فِي احْتِجَاجِهِمْ بِهَذَا الْخَبَرِ عَجَبٌ أَوَّلُ ذَلِكَ: أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو وَهُوَ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ، وَقَدْ تَرَكُوا رِوَايَتَهُ فِي غَيْرِ قِصَّةٍ: مِنْهَا رِوَايَتُهُ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ نَفْسِهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوهَا مَعَهُ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لأََنَّ فِيهِ: فَأَتَاهُ بِقَدْرِ مَا وَعَدَهُ. فَصَحَّ أَنَّ الْمَضْمُونَ عَنْهُ وَعَدَهُ عليه السلام بِأَنْ يَأْتِيَهُ بِمَا تَحَمَّلَ عَنْهُ، وَهَذَا أَمْرٌ لاَ نَأْبَاهُ، بَلْ بِهِ نَقُولُ إذَا قَالَ الْمَضْمُونُ لِلضَّامِنِ: أَنَا آتِيَك بِمَا تَتَحَمَّلُ بِهِ عَنِّي. ثُمَّ الْعَجَبُ الثَّالِثُ احْتِجَاجُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ وَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ، لأََنَّ فِيهِ " أَنَّ مَا أُخِذَ مِنْ مَعْدِنٍ فَلاَ خَيْرَ فِيهِ " وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا فَمَنْ أَعْجَبُ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِخَبَرٍ لَيْسَ فِيهِ أَثَرٌ مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ فِيهِ، ثُمَّ هُوَ مُخَالِفٌ لِنَصِّ مَا فِيهِ وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ.
|